A raven - غُــــــــراب
و أنت تشاهد فلما او مسلسلا ما , و تنظر في عيون الممثلة و هي تغير ملامحها ببراعة غير مفهومة , و هي تبكي بحرقة لا تدع مجالا للشك في صدقها , و هي تبتسم بتلك العيون البراقة , تتسائل ! من أين ليهم بهذه القدرة على الادعاء و التمثيل الخارق ؟! قد تصل في تفكيرك حد الخوف من هؤلاء البارعين في التمثيل , فهم في الحقيقة بارعون في التقمص ! بارعون في الإدعاء ! انهم بارعون في الكذب !!!!
أتذكر العرس الملكي لهاري و ميغان ماركل العام الفائت , من منا لم تتحرك عواطفه بعد تلك النظرة التي كانت ترمق بها ميغان زوجها في حين اداء الشعائر التي لا أعرف اسمها , تلك حين يقولان كلاما يكاد يكون مقدسا و هم يقفان امام بعضهما بوجود رجل الدين في المنتصف. اتذكر ان بعض البريطانيين كانوا وقتها يمقتون تلك الامريكية التي استولت على قلب اميرهم , و في الصفحة الرسمية للعائلة الملكية على فيسبوك قرأت هذا التعليق ( انها ممثلة في النهاية ! هي تجيد التمثيل و الادعاء و ما كل هذه التعابير و الحركات الا مجرد تمثيل ) .
في الطريق الى الجامعة , و انا في المواصلات العامة او في عربة احد الاقارب او الترحيل , أرى ذلك الطفل و هو يحمل حقيبة مدرسية و يستعد لعبور شارع المعونة , يبدو عليه انه في السنة الأولى ابتدائي , لكن مهلا انه يمسك بيد ولد اصغر يلبس نفس اللبس و يحمل حقيبة شبيهة, لابد ان الأخ الأكبر في السنة الثانية من المدرسة و اخيه في الأولى . من أين جاءا ؟ و كيف حال الأسرة ؟ في ماذا يفكران و هما وحيدان في هذا العمر و يحاولان مرور الشارع ؟ كيف لهذا الأخ الاكبر تحمل مسؤولية اخيه الصغير و كلاهما لم يتجاوزا السنة الثالثة ابتدائي بكل تأكيد . كيف يشعران ؟ اجد نفسي تحولت لطفل في عمر الولد الأكبر و كأنني تلبست جسده كما يفعل بران مع ذئبه في لعبة العروش, أرى السيارات تمشي و تذهب بسرعة وعلي ان اقرر متى اعبر و ان امسك بيد اخي الصغير , اتذكر في تلك اللحظة الواجب الذي كان علي القيام به و لم أكمله , أفكر في نوع السندويتش الذي علي شراءه حتى اوفر مبلغا للحلوى و للمواصلات في العودة. فجأة تتوقف الحافلة و يجب علينا النزول في المحطة الوسطى , محطة وسطى !! لقد كنت على وشك الدخول الى المدرسة بطريقة لا يراني فيها المدرس حتى لا يجلدني بسبب التأخر عن الطابور و انا الان في المحطة الوسطى ! أخرج من جسد ذلك الطفل لأعود لواقعي و وقوفي لمواصلات النفق الجامعة فأنا الان طالبة جامعية كبيرة ولست طفلا في الابتدائي .
كتاب عن هتلر ! ثم فلم مقال في صقحة الكترونية ! يا الهي ما هذا ؟ هل انا اجد هتلر شخصا مثيرا للاهتمام ؟ لا بل اتعاطف معه ؟ !! هذا قد يعد جرما في نظر البعض ! كيف لشخص ان يتعاطف مع هتلر ! انها مصيبة !
يصل بك الأمر احيانا اذا كنت من من لا يمتلكون تحكما على قدرتهم على تقمص ادوار الناس للتعاطف مع اشخاص مثل هتلر ! هل هذا يصدق ؟
نعم !! و مثل ما بدأنا الحديث بالتمثيل و اداء الادوار فأنا أقول الان ان كثيرا من الدموع التي نزلت على خدود ممثلين في ادوار فلم ما او مسلسل لا تقل حقيقة عن دموعهم في حياتهم الواقعية ! لأنهم في تلك اللحظة لم يكونوا ذواتهم في الواقع الذي تعرفونه و انما انسحبوا تماما من هذا الواقع الى واقع الشخصية الخيالية , لقد كانوا هي , و كانت هم , لقد كان ذلك هو حاضرهم و ماضيهم و ما يفعلونه في فترة اداء الدور سيحدد مستقبلهم ! ببساطة , فكل ما يفعلونه في تلك الفترة صادق بما لا يقل عن صدق تفاعلكم انتم الان مع الواقع الذي تعيشون فيه.
القدرة على تقمص شخصية ما , محاولة قراءة عقل ما , العيش في واقعه و فهم كل ابعاد ذلك الواقع فقط من داخل عقلك المحدود هذا , قدرة قد تبدو غير مفهومة او غامضة , مستحيلة ! هنا لا نتحدث عن تفهم مشاعر الاخرين او التعاطف معها فحسب , بل امتصاص كل تلك العواطف و المشاعر الى داخلك انت ! لدرجة تماهيها مع مشاعرك الخاصة حتى لا يمكنك التفريق بينهما . فكرت في الأمر كثيرا حتى مررت بتلك القصة , قصة المحقق الفدرالي ويل غرام و القاتل المتسلسل هانيبال , تلك العلاقة غير المفهومة بالنسبة لي بين شخصين يبدوان كخطين متوازيين لقاؤهما اقرب للخيال في عقل الكثير منا . و لكن في الحقيقة عدم قدرتي على فهم مكامن شخصيتهما و تلك العلاقة لم يمنعني من الاطلاع على بعض المعلومات بمساعدة هذه القصة . المحقق و كما ذكرت القصة في المسلسل على الاقل كان مصابا بما يسمى باضطراب الشخصية المتعاطفة كما ترجمته انا الان او بالانجليزية
Empathic personality disorder
انا غير متأكدة من تصنيفه كاضطراب شخصية من عدمه ولكن ما شاهدته من المحقق انه كان عليه ان يحقق في جرائم القاتل المتسلسل ولكن بسبب مشكلته كاد أن لا يفرق بين نفسه و بين المجرم , ان لا يعير انتباها لامتصاصه مشاعر و تفكير هانيبال و عواقبها عليه كشخص لديه ذات منفصلة عما امتصه . ان هذه الصفة قد تبدو جميلة لاول وهلة , من منا لا يريد أن يجد شخصا يعيش في جلبابه , حتى يشعر بكل ما نشعر به من تفاصيل تافهة و لفهم ذلك الضيق الذي يعترينا لأسباب لا يمكن التعبير عنها . لكن ما نتحدث عنه هنا هو شئ يجعلك تعرف كل ما فعله هتلر من أفعال و لكنك غير قادر على مقاومة السير في حذاءه لتتسائل لماذا فعلت ذلك يا هتلر ؟ ما يجعله اعترافا ضمنيا بأنه شخص يستحق التفهم و الاستماع .
قد تتعرض لأسوء الجرائم و لكن ان كنت مثل المحقق في قصة هانيبال فانك سوف تتعاطف مع من اجرموا في حقك , سوف تعرض نفسك لأسوء انواع البشر ( حرفيا ) فقط لكونك غير قادر على ان تقاوم سحر الغوص العميق في نفوسهم , ان لهؤلاء البشر مكنونات لا ينضب سحرها , طيف لا ينتهي من العواطف و المحفزات و الأسباب و الدوافع , و انت كويل غرام سوف تقع في حب كل هذا متناسيا نهايته التي تمظهرت في الأذى الجسيم لكثير من الأشخاص قد تكون انت نفسك اولهم , ستحب الغوص حتى و الأمواج تضربك بعنف , لن تمانع الغرق في محاولة الوصول .
ستكون الاسفنجة التي تمتص الاشخاص , و لكن في الحقيقة لابد لها ان تسكر في النهاية , سوف تسكر و تفقد ذاتها و عقلها و كثيرا من دوافعها الشخصية ان لم تجعل بينها و بين ما امتصته ردما .
-
-
-
وجدت هذه القصيدة بالصدفة :
الغراب اشد سوادا من قبل
حين اتجه الرب الى السماء،
لاشمئزازه من الانسان،
وحين اتجه الانسان الى حواء
لاشمئزازه من الرب
بدت الأشياء كأنها تتهاوى.
لكن الغراب.. الغراب
الغراب ربطها ببعضها
ربط السماء بالأرض-
ولذا بكى الإنسان ولكن بصوت الرب
ونزف الرب، ولكن بدم الانسان.
ثم صرّت السماء والأرض عند المفصل
الذي اصبح متآكلا ونتنا-
رعب يفوق الخلاص.
العذاب لم يضمحل.
لم يستطع الانسان ان يكون الانسان ولا الرب الرب.
العذاب
كبـُر.
الغراب
كشـّر
صائحا: "هذه خليقتي،"
محلقا بعلم كيانه الأسود.
Comments
Post a Comment