منحنى الكلمات
منذ فترة و أنا أعاني صراعا هوياتيا على مستوى اللغة , بدأ الأمر معي منذ ملاحظتي لتدهور لغتي العربية مؤخرا و التي كانت اكثر من جيدة في السابق . هذا التدهور الذي اصابني بلوم الذات و جلدها, و انتابني شعور بالعار و بدأت اتحسس هويتي أين هي و كيف اعرفها و متى و كيف بهت بريقها و خفت ضوءها على لساني
قصة طويلة و ما زالت قيد الكتابة , و لكني بدأت بها لكي اتحدث عن احدى تأثيراتها التي جعلتني ارغب بتتبع الكلمات اليومية التي اسمعها في احاديث الناس و كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي , من أين اتت الكلمات , ما أصلها , ما معناها , كيف تم تركيبها بهذا الشكل.
قبل عدد من الشهور , اذا لم يكن عاما كاملا , خرج الينا مدير الشركة السودانية للكهرباء بخطاب يتحدث فيه عن مشكلة ما في قطاع الكهرباء و بينما انا اقرأ ذلك الخطاب اذ أمر بذكره لصعوبات في عمل الفرق الميدانية فذهب قائلا : صعوبات تواجه أتيام العمل , أو شئ من هذا القبيل , نعم في الخطاب الرسمي.
أتيام وتيم هي كلمات انجليزية معناها العربي فرق و فريق , و لكن من كثرة استخدامهما في الجامعات و مراكز العمل و الرياضة و التلفزيون , لا يستطيع حتى مدير الشركة السودانية للكهرباء التفريق بين كون الكلمة من أصل اللغة العربية أم يجب ترجمتها.
خذ مثالا جملة " مصتكين في الزحمة " يقصد بها
we are stuck
لكن من كثرة استخدام الكلمة المحورة من الفعل "صتك" ليصبح يصتك اصتكاكا و مصطكين , اسأل اي شخص موجود بجانبك الان عن الكلمة اذا كان يستطيع واع لكونها انجليزية ام هي لغة عربية أو على الأقل سودانية عادية, خضت نقاشا كهذا مع أحد الأصدقاء فوجدته متأكدا من انها كلمة سودانية عادية , في حين ان ظهورها كان مؤخرا في احاديث الشباب اذ لا تجد لها اثرا في كلام كبار السن الذين لا يستخدمون هذه الكلمات الدخيلة كثيرا و نجدها في اوساط الشباب أكثر.
متكرشين و كرش ويتكرش ,
كنت أفكر البارحة ان كلمة "اولريدي" تكاد تصبح لا غنى عنها في كلامنا خاصة اذا نظرت لمحاولة تعريبها فتجد أنك تقول , سابقا , بذلك الحين , لحدي الزمن داك , أساسا , لا أدري ما الترجمة الدقيقة , قد تختلف حسب السياق و لكن الواضح انها ملأت فراغا في المعنى و أصبحت ذات تعبير دقيق عن حالة ما لا يمكن الاستغناء عنها الان . و مثال " اولريدي" هذا يذكرني بمشكلة الترجمة أو
ال translatability
و التي تعنى بمدى قابلية الكلمة أو النص للترجمة من لغة الى أخرى من دون تغيير جوهري , أو على الأقل بنفس مستوى الدقة , و القصة هنا أيضا طويلة تطرح اسئلة عن تركيب اللغات ذات نفسها , و الثقافة التي انبثقت منها اللغة أو التي تسببت اللغة في انبثقائها حسب نقطة انطلاق رؤيتك للمسألة , و كذلك مدى تشكيل الثقافة و اللغة لادراك متحدثيها و احتوائها للمفاهيم المتعلقة. اذ دائما اتسائل هل غطت "اولريدي" فراغا لغويا ما لدينا, أم أن لغتنا كانت قادرة تماما على ايفائنا بكلمة بنفس القدر من السهولة في النطق و دقة المعنى ولكنا فقط آثرنا استخدام الكلمة الانجليزية لدواع الحداثة و عالمية اللغة الانجليزية اليوم.
مثلا , اجدني اقول " لحدي الزمن داك بتكون اولريدي الحاجات جاهزة , أو لحدي الزمن داك الحاجات اصلا حتكون جاهزة , او سابقا حتكون جاهزة " هل الجملتين يبدوان بنفس المعنى تماما ؟
جدي كان و الى وفاته يقول لنا : انا ذاهب للاسبتاليا و انا اريد شراء الدواء من الاجزخانة. اسبتاليا هنا هي المستشفى في حالة انكم لا تعلمون , و الاجزخانة هي الصيدلية. اسبتاليا تبدو و كأنها تحوير لكلمة مستشفى بالانجليزية " هوسبيتال\اوسبيتال" فيبدو جليا انها من الارث الذي تركه الخواجة المستعمر على لغتنا . بالمقابل فأن أصل اجزخانة التركي
مثير للاهتمام , ان كلمة اجزخانة صمدت بأصلها التركي الى عهد قريب جدا و لم تصبح " فارماسي" او شئ شبيه بذلك على سبيل المثال , في حين تغيرت الكلمة القديمة لمكان العلاج أي- المستشفى- الى الكلمة ذات الاصل الانجليزي " اسبتاليا" , يعتريني الفضول لكي أفهم كيف سار منحنى تغير الكلمتين المستخدمتين للاشارة للصيدلية و المستشفى بالشكل الذي جعلهما اجزخانة و اسبتاليا ذوات الأصول المختلفة عن بعض , قبل تحولهما الاثنين الى المستشفى و الصيدلية. و لكني لا أعرف كيف لي أن اروي هذا الفضول الان أو من اين ابدأ
و بالمناسبة دي , انا معجبة جدا بكلمة " الحكيم" التي يستخدمها اللبنانيين في اشارتهم للطبيب, اجدها عتيقة و جميلة , و تضفي نوع من الشعور بالانتماء و الجذور .
المسألة في عصرنا هذا قد يكون فيها بعض الاختلاف اذ ان الشخص منا قد لا يقابل " خواجيا" في حياته و لكنه يخلط كلماتهم بكلماته حتى لا يكاد يستطيع التفريق بينما. فالعولمة او التنكولوجيا او ايا كان اسمها, لا تحتاج لمستعمر يأتي و يقضي يومه معاك و يسكن بقربك و يمشي في الأسواق بجانبك و يكون الناظر في مدرستك . أيضا احد الاختلافات قد يكمن في أن الخواجة المستعمر عندما بنى الجامعة على سبيل المثال لم يكن هناك جامعة , و عندما غير نظم الحكم الى المؤسسات الحكومية بشكلها الحالي , بما فيها مؤسسات الصحة و التعليم لمن تكن موجودة بشكلها هذا انذاك , هنا قد تجد من المنطقي أن تسري لغة الخواجة على ما اصطنعه و جلبه الخواجة الينا و لم يكن موجودا في الأصل , فافتقرت قدراتنا التعبيرية لما يشير اليه . و لكن ما يحدث اليوم مختلف تماما اذ اننا نستبدل كلمات موجودة تشير الى اشياء و حالات موجودة أصلا و لم يختلقها لنا الخواجة , نستبدل الكلمات , من دون أي حوجة واضحة , بكلمات اخرى من لغة اخرى , لا لشئ الا ان التلفاز و الجوال جعلا الكلمات الجديدة اكثر الفة و سهولة.
المهم في الأمر انني اتخذت قرارا بتتبع الكلمات الانجليزية الحديثة , و التي تم تحويرها في لغتنا اليومية حتى تسللت الى الستنا و أصبحت تشكل واقعنا و تعبيرنا و كشخص يميل الى مفهوم النسبية اللغوية أستطيع القول بانها قد تشكل ادراكنا لما حولنا , ومن حولنا قبل أن يرتد الينا وعينا و قدرتنا على تجاوز المحن و المصاعب التي اودت بنا الى هذا الحال.
ساحدث ( حاعمل *ابديت* 😂) هذه المدونة هنا كل فترة بكلمات جديدة و خواطر حول الكلمات و اللغة 😂
و بحاول غايتو أصلح لغتي العربية 😂
1- ال " بيست " بتاعتي
2- تيم و بير
3- مصتكين
4- اولريدي
5- الشفت shift
6-
Comments
Post a Comment