حفرة الأرنب !

افكار ظلت طي النسيان في ملف المذكرات لزمن طويل: 


الرفاق حائرون ، يفكرون ، يتجادلون ، في جنون على الفيسبوك و منصات عامة أخرى لإيجاد تفاسير و حلول لأشياء موجودة ليها سنين عددًا في ادب العلوم خاصة العلوم الاجتماعية و الإنسانية. ما تجلبه هذه الجدالات من متعة و لذة مطلوب في ذاته احيانا و لكن ماذا بعد ؟ 

عبدالله علي ابراهيم في المرة الوحيدة الاتحدثت معاو فيها في حياتي قال لي جملة: قال انو قال لمجموعة من السياسيين في السودان ما سماهم 

  • You are a bad conductor of knowledge قال انهم بقضوا سنين يتجادلوا في أشياء موجودة في نظريات السياسة الأكاديمية ليها زمن طويل لكنهم لا عندهم الرغبة انهم يعرفوا ولا الالتزام انهم يودوا المعرفة دي لمستوى جديد. 


التطور الطبيعي لإي شكل من إشكال المعرفة بيمر عبر أفكار موجودة و قديمة بالطبع و ياما ما بتكون قايل نفسك فكرت في حاجة جديدة و بيتلقي انها قاعدة ليها ٥٠ سنة و يومي انا بمر بالإحباط دا 😂 لكن، التطور المعرفي الطبيعي دا لمن يكون في سياق التزام و صرامة و صبر على المدى الطويل بيجيب النتيجة المرجوة منو. طيب المُحزن في السياق العام السوداني شنو ؟ غياب الالتزام و الصرامة الأكاديمية دي مع تفاعلات مواقع التواصل و متلازمة الملل السريع و البحث عن المكافآت/الانتشاء الآني ، كذلك وضعنا التعليمي و الاقتصادي و الاجتماعي بيتفاعلوا مع بعض كلهم عشان ينتجوا لينا شكل غريب جدًا من نقاشات الثقافة و العلوم و المعارف اللي ما بتعدو عن كونها قعدات شاي و عاجزة عن أخذ الأفكار لمستويات جديدة يظهر فيها عمل جاد و إسهام و إنتاج. 

من المهم هنا انو الناس تفهم انو الفيسبوك منصة إجتماعية و ليست مكان لإنتاج المعرفة او تطويرها بإي حال من الأحوال. 

الفيسبوك ممكن يكون فرصة جيدة جدًا لناس من خلفيتنا السودانية دي و مع انعدام وجود منصات ممكن الناس تتجمع فيها و تتبادل الأفكار ، لتحميس الناس على فكرة معينة ، مشاركة خاطرة ممكن تمثل بذرة اهتمام لناس كتار . ممكن مثاليًا بسبب بوست زول واحد يفكر في حاجة و يمشي بعداك يسكها و يلتزم بيها و يطلع منها بشئ مهم. لكن لمن يتحول التصور عن البحصل في أزقة الميديا و بعض الأزقة في الواقع برضو لشئ أشبه بتخيل انتاج معرفة حقيقي فدي بتبقى مشكلة و مشكلة ليه ؟ 

  • في ظل الميول للمعارف الممكن نسميها سندويتشية و الوقوع في حب الأفكار و السرديات الكبيرة اللي الصراع الفكري معاها بكون لذيذ و مسلي و جالب لمتعة عقلية لطيفة خالص النتيجة انها بتعفينا من الخوض في التفاصيل المملة ، اللي بتاخد زمن طويل في التصارع معاها و بتنتج تقدم بالقطارة و بتعذبك اكتر مما بتسليك على المدى القصير.
  • و في ظل منصات تواصل بتجعل مننا كائنات تبحث عن الرضا السريع و السعادة السريعة اللي بتجي سريع و بتروح سريع. بمعنى انك لمن تفكر في حاجة و تكتبها و يجو ناس يعلقوا ليك و تتبادلوا الأفكار و بنهاية "الونسة" بتمشي تنوم و بكرة بتشوف فكرة غيرها و هكذا دواليك.
  • وفي ظل انها بتجعل من كل شئ سهل و لذيذ و جميل. لمن الأشياء تصعب بنبدا نمل و نكسر حنك سريع و نحس بالعجز عن المواصلة. بتقلل من صلادتك النفسية  وتعفيك من انك تبحث بصورة ملتزمة و تعرف انو البتقولو دا في زول غالبًا قالو قبل ١٠٠ سنة كدا لكن لإنعدام معرفتنا بوضع العلوم خاصة الاجتماعية منها فما سمعنا بالقصة دي و عايزين نعيد اختراع العجلة و في الحقيقة حتى ما بكون عندنا الالتزام نعيد اختراعها و انما عايزين نتونس بيها بس و نمسك بيها زمن. الإحباط البيجي من اخذ الأشياء الى نهاياتها دا خطير و صعب و اذا متعود على المتعة السريعة ببقى صعب تتحملو. 



انا هنا عايزة احكي قصة قصيرة عن نفسي . في ناس كتار عارفة عني إني بعمل في دكتوراة لكن الأغلبية ما عارفين اني بعملها في مجال يُعرف بشكل عام بالعلوم الادراكية ، او علوم النفس الادراكية او علم النفس النموِّي. كلها أسامي لحاجات متشابهة 😂 

المهم الحاجة التي لا تمت بصلة لدراستي في البكلوريا دي انا بدأت رغبتي في دراستها و انا في سنة تالتة جامعة الخرطوم. كانت حاجة غريبة و حالمة و تبدو مستحيلة. من دون دخول في التفاصيل انا بفتكر اني عانيت في الطريق معاناة كانت بالنسبة لي ولحدي هسي كبيرة جدًا ، تعبت جدًا و شكّيت في نفسي و في قدرتي و في الطريق السايرة فيو و خفت و قارنت نفسي مع ناس تانيين مشوا في طريق مختلف و وصلوا لحتات كويسة سريع و انا يمكن ينتهي بي الأمر ساكّة السراب. الشكوك و الخوف الملازمين لكل رحلة. لكن المهم في الأمر انو المسألة دي بدت بمقالات و كتب صغيرة و سريعة و أفكار عشوائية و خواطر فيسبوك و تطورت معاي لرغبة حقيقية في فعل شئ و الالتزام بيو، و الالتزام دا كلفني كتير جدًا ماديًا و معنويًا على مدى السنين. ما كانت حاجة سهلة و قادرة اشوف تمامًا انو طريق ممكن كتيرين يكسلوا منو لو جايين من وضعنا و من خلفياتنا كطلبة سودانيين. لكن بخلاف صعوبة الطريق، ففي ناس عندهم القدرة على فعل شئ ما و ربنا حباهم بالذكاء و الفطنة و غيرو من المميزات لكن بسبب إدمان وصفات السعادة و الرضا السريعين و سير هرمون الدوبامين في العروق إبان نقاش سريع او بوستات فيسبوك و لايكات بمنعوا أنفسهم من استثمار قدرتهم و ذكاءهم بالشكل الممكن فعلًا يمثل تغيير و ينتج و يساهم في المعرفة لو صاحَبُوا التزام و صبر و بذل الزمن و الجهد و المال في طريق الالتزام دا. 

دا كلو ما مهم اذا الشخص البعمل الحاجات دي هو أصلًا عندو حاجة أساسية بعمل فيها و بدخل في النقاشات الفكرية و المعرفية كتسلية و ترفيه. لكن هنا انا بتكلم عن الناس اللي عايزة تاخد الموضوع أبعد من التسلية على جوانب وظيفتهم الأساسية. و انا عادةً ما بحب و بخاف من اني ادي نصايح و احكي قصص و ما أدراك و الجو دا، بحس اني ببساطة ما مؤهلة للعب الدور دا، وما مهيئة ليو و لا أملك ما يتطلبه دور النصايح دا , وما بقدر أعطي ما لا أملك ، لكن و في نص ونسة مع زميل، قال لي قد يكون تفكيرك دا فيو جانب صحيح، لكنو قد يضيع فرصة كبيرة على ناس تانيين ولو قليلين ممكن لو سمعوا تجربتك يلقوا فيها فائدة ، و يكونوا محتاجنها فعلًا ومارين بشئ شبيه، بتسائلوا تساؤلات شبيهة و دايرين إجابات شبيهة.

النقطة الثانية من المنشور دا : 

انو الالتزام المعرفي و الجدية في التخصصية و الشك البيلازمهم حيكون عندها في رأيي أثر كبير ايجابي على المجال العام  ؟ 

انا كل ما أسمع زول بتكلم عن الشئ الانا بحاول اتخصص فيو سواءً من داخل المجال او من خارجو و مرات في الفيسبوك ساي بحس اني ما عارفة اي شي ولا اعلم شئ فيو. قدر ما مشيت قدام لسا حاسة اني بحفر في حفرة جهل كل ما شلت منها ازدادت عمقًا. سألت أحد سنايري هل الشعور دا مؤقت و حينتهي ؟ قال لي لا ابداً، انا خلصت ٥ سنين من الدكتوراة و ما زال عندي الشعور دا و المشرف قال ليو الفرق هو انك حاليًا بقيت عارف الما عارفو

Now you know what you don’t know

و انا بفتكر انو دي النتيجة المباشرة و قد تكون الوحيدة عديل في حالتي انا على الأقل للصرامة الأكاديمية و هي انك بتبقى فارز الما عارفو . و طيب العارفو ؟ لو سألتني انتي عارفة شنو حاقول ليك و بكل صدق ما عارفة ، و بكون مهزوزة و خايفة و غير واثقة من اي حاجة بحس اني ممكن اكون عارفة و لو بسيط عنها. لكن بقدر اقول ليك بكل ثقة و دقة و سهولة الأشياء الانا ما عارفاها. دائرة معرفتي ماشية تضيق اكتر و اكتر ، لمن بتقرب تخنقني مرات، و الخناق ماشي يزيد كل فترة. و لمن الخناق يزيد ، حتبدا تتكلم في أشياء محدودة و لمن مساحة الحاجات البتتكلم عنها تضيق بحصل شنو ؟ المساحات الأخرى بتبقى فاضية و مع الفضا دا و الثقافة العامة الراجنها و بنسعى ليها للحديث المحكوم ومحدود بضيق المعرفة دا ذاتو ، المساحات حتتبدا تتملي فقط بالعارف فعلًا بي قضاياها و اللي قدر يتجاوز كل مصافي الشك و الخوف و الثقة المختوتة مسبقًا لمن نكون وصلنا مرحلة الثقافة المرجوة دي.

يعني ببساطة لمن انت تنسحب لمساحتك الضيقة و انا انسحب لمساحتي الضيقة كدا المساحات حتترتب بشكل افضل و إحساسك الصادق جدًا لكن بالرغم من صدقو فهو زائف بتاع لو انا خليت المساحة دي فاضية حتقعد فاضية و ما في زول حيملاها و هي مهمة شديد و انا محتاج اقول فيها حاجة لأنها مهمة و الناس محتاجين ينتبهوا ليها دا . حتتفاجأ بأنو ما صاح، و حتتفاجأ بظهور ١٠٠٠ شخص لملء الفراغ دا ، بس انت ما كنت شايفهم و حيكونوا الناس الصح في المكان الصح ، زي ما انت حتكون الزول الصح في مساحتك الضيقة ديك، لإنك التزمت و صبرت و "عرفت". 

و انا بقول الكلام دا كلو ليه هسي ؟ عشان احبط الناس و اقول ليهم ما تتكلموا خالص ؟ لا ابداً

لكن عشان المتبني قال: 

و لم أر في عيوب الناس عيبًا.. كنقص القادرين على التمام

و ديل كتار و بشوفهم انا في دايرتي الضيقة و بشوفهم من بعيد ، لكنهم ضايعين في وسط الزحام دا ، زحام منصات التواصل، و المعارف السندوتشية، و إدمان السعادة الآنية و الملل السريع، و التصور الخاطئ لإسهامات الفيسبوك كمنصة لتبادل المعرفة او انتاجها ذاتو. 

في مجالات كتيرة جدًا السودان محتاجها و هي موجودة و اتعمل فيها كتير كتير ، لكننا ما عارفين و مرات بنهبشها كدا بالجنبة و لأننا ما عارفين بنقعد زمن طويل في عملية التخليق بل و إعادة التدوير لأشياء تجاوزتها الأكاديمية العلمية و مشت فيها كويس جدًا لقدام ، و عندنا اولاد و بنات ممكن ينقلوها لواقعنا السوداني بشكل ممتاز جدًا لو تملكتهم الرغبة و الصبر و الالتزام.  

Comments

Popular posts from this blog

إنَّ الهوى ما تولَّى يُصمِ أوْ يَصمِ

مناجاة من وراء حجاب ؟

المَاضي يُنْصَبْ